مع انتشار المفاهيم الرقمية اليوم، أصبح الحديث عن المواضيع التقنية أمراً اعتيادياً، فاليوم لدينا واقع افتراضي، وواقع معزز، وواقع ممتد والـ Metaverse والعديد غيرها من المواضيع المثيرة والشيقة، لكن أكثر موضوع أثار فضولي شخصياً هو موضوع البيانات. سأحكي لكم قصة مميزة عن البيانات.
في عام 2006، قام عالم الرياضيات Clive Humby بالصعود على أسطوح منزله وصرخ بصوتٍ عالٍ:
Data is the new oil
البيانات هي النفط الجديد
إن النقط موردُ محوري في نمو الدول وتطوير مختلف قطاعاتها وانه محلُّ صراع جيوسياسي قديم جداً يختلف باختلاف الدول والتيارات المتصارعة عليه، وفي الحقيقة؛ لم أهتم يوماً بمعرفة الصراعات التي تدور حول النفط بقدر اهتمامي بمعرفة السبب الذي دفع عالم الرياضيات "Clive" بقول شيء مثل هذا، إلّا أنه يريد فعلاً مقارنة أهمية البيانات بالنفط وأنهما على حد سواء بالأهمية. فأردت في هذا المقال الموجه إلى أي شركة تقوم بتقديم الخدمات أن يكون لها خطوة سباقة في ماراثون الحصول على نفط القرن الـ 21، والحديث عن ثلاث أنواع من تحليل البيانات يجب على كل شركة تنفيذها. وكيفية استثمارها لحل المشاكل التي تواجهها.
لماذا البيانات؟
التعريف الأبسط للبيانات أنها مجموعة حقائق أو أرقام أو أجزاء معلومات حول موضوع معين. ولها أشكال معينة، بريد إلكتروني، اسم موظف، تاريخ بيع خدمة ما، نوع الخدمة وعدد المرات التي تم تقديمها. لكن السبب الرئيسي الذي يدفعني للإضاءة على دور البيانات في عالم الأعمال لاعتبارها المصدر الأفضل لحل المشاكل وسأتناول في المقال الحديث عن ثلاثة أنواع من تحليلات البيانات التي يمكنك استخدامها في شركتك لاتخاذ قرارات خالية من الآراء الشخصية. أو كما قال Edward Deming:
Without Data, you're just another person with an opinion.
Churn Analysis - تحليلات بيانات الاستنزاف
يعد الزبون هو المحرك الرئيسي لعمل أي شركة سواء في المجالات السلعية أم الخدمية، ووفقاً لهذا التحليل فإن الخسارة الأكبر لأي شركة ليست أن تكون تكاليفها أعلى من إيراداتها الشهرية، بل عدم عودة الزبون للشراء مرة ثانية.

ما هو تحليل بيانات استنزاف الزبائن - Churn Model؟
يقوم هذا النموذج بتحليل ومعرفة عدد الزبائن الذين توقفوا عن استخدام خدمة/سلعة معينة خلال فترة زمنية محددة وهذا النوع من التحليلات يساعد في فهم ومعرفة معدل استنزاف الزبائن attrition rate، وهي نسبة العملاء الذين فقدتهم ولم تستطع شركتك تعويضهم، وهنا يمكن أن يكون التعويض على هيئة زبون يعود لمرة ثانية - Returning Customer أو زبون جديد New Customer.
ويجب الانتباه إلى عدم خلط معدل استنزاف الزبائن attribution rate مع معدل الاحتفاظ بالزبائن Retention Rate والذي يقيس نسبة الزبائن الذين حافظت عليهم الشركة - أي مازالوا يعودون لتجديد خدماتهم - خلال فترة زمنية محددة. يتم احتساب معدل الاستنزاف على مستويين اثنين
المستوى الأول على صعيد الزبائن - Customer Churn Rate:
المستوى الثاني: Monthly Revenue Churn Rate

تقوم الشركات التي تقدم خدمات من نوع SaaS أو Software As A Service أو الشركات التي يعتمد نموذجها المالي على الاشتراك (Subscription Based Model)عادة ما بهذا التحليل لفهم الأسباب التي قد تدفع الزبائن للرحيل؛ هل يوجد مشكلة ما بالمنتج الذي تقدمه؟ أم هناك نقاط حول الزبون يجب فهمها لتلبية احتياجاته بشكل صحيح ودقيق؟ من خلال هذا التحليل تستطيع الشركات استخدام الاستراتيجيات التسويقية المناسبة لجذب العملاء مرة ثانية
RFM Segmentation Analysis - لا تضع كل البيض في سلة واحدة
ما هو المقصود بـ RFM؟
هذا النوع من التحليلات البيانية يعتبر مهماً جداً للعاملين في مجالات التسويق ويعتمد هذا التحليل على تقسيم الزبائن إلى شرائح محددة لأغراض الاستهداف التسويقي وبناء الـ Buyer Persona، وفق ثلاثة معايير مذكورة في اسمه وهي R - recency أو الحداثة وهو مقايس يخبرك كم من الوقت مضى منذ أن قام زبونك بآخر عملية شراء، F - Frequency وهو مقياس لمعرفة عدد المرات التي قام بها الزبون بالتفاعل مع شركتك بعملية شرائية، وأخيراً M- Monetary: ويرمز لها ببعض الأحيان بـ Monetary Value وهو مقياس يحدد كم أنفق الزبون من ماله على منجتات أو خدمات شركتك
قد يكون جمع البيانات حول هذه المقاييس لدى بعض الشركات صعباً، لكن في حال يوجد نظام إدارة علاقات زبائن CRMS، فسيكون تصدير هذه البيانات سهلاً جداً كما يمكن استخدام أدوات برمجية جاهزة مثل برنامج Putler.
يقوم هذا النوع من التحليلات بتقسيم الزبائن إلى شرائح وفق المعايير المذكورة وخلق شبكة للربط فيما بينها وتحديد هوية لكل زبون وفق هذه المعايير كما هو موضح في المصفوفة ادناه:

في هذا المثال، تم تقسيم مواصفات الزبون وفق مقاييس التحليل الرئيسية RFM وعلى أربعة مستويات، وأريد الإشارة هنا إلى أنه كلما زادت المستويات كلما كان بناء هوية الزبون أصعب وذلك لزيادة عدد المتغيرات.
يمكن الآن للمسوقين تقسيم الزبائن وفق هذه المقاييس والمستويات غلى شرائح منفصلة وربما ابتكار آليات تواصل معينة معهم، فعلى سبيل المثال؛ يمكن القول ان الزبائن الذين في المستوى الأول (R1-F1-M1) وفق مقاييس RFM هم أفضل أنواع الزبائن، لأنهم اشتروا مؤخراً (Recent Buyers) ويشترون كثيراً (Frequent Buyers) وينفقون مالهم كثيراً (High Monetary Value)
كما يمكن تحديد الزبائن الجدد الذين ينفقون كثيراً وهم ضمن الشريحة (R1-F4-M1) و (R1-F4-M2) وذلك لأنهم اشتروا من خدمات الشركة مرة واحدة لكنهم انفقو كماً كبيراً من المال للشراء، أيضاً نستطيع تحديد الزبائن الأكثر ولاءاً والأقل إنفاقاً وهم الذي يندرجون وفق المستويات (R1-F1-M3) و (R1-F1-M4) حيث أصبح الآن من السهل تحديد آليات ورسائل التسويق التي يجب اتباعها مع كل شريحة على حدا، فالزبائن المميزون يجب أن يشعرهم التواصل معهم بالتقدير لأنهم يعتبرون الشريحة التي تحقق أعلى إيرادات للشركة، كما يجب مراعاة احتياج الزبائن الجدد الذين ينفقون كثيراً لأنهم غالباً ما ينفقون الكثير بأول عملية شرائية فقط ويمكن تقديم عروض مميزة على عمليات الشراء المستقبلية وذلك لنقلهم إلى مستوى تكرار شراء أعلى من قبل، وهكذا إلى ان يتم خلق تصور واضح لأنواع الزبائن التي تتعامل معها الشركة.
Regression Analysis - النظر إلى المستقبل بعين الماضي
النوع الأخير من التحليلات البيانية التي أريد الإضاءة عليها يعد من أكثر الأنواع استخداماً وذلك لسهولة الوصول إلى نمط البيانات التي يحتاجها هذا التحليل وعادة ما تكون موجودة في أي شركة بغض النظر عن نوع المنتجات التي تقدمها سواء كانت سلعية ام خدمية.
ماهي العوامل التي تؤثر على أداء قسم المبيعات في شركتي؟
يعرف الإحصائيون أحد أنواع تحليل الانحدار، الانحدار الخطي لمتغير واحد أو Single Linear Regression Analysis بأنه أسلوب رياضي يساعد في فهم العلاقة بين متغيرين اثنين؛ متغير تابع وسنرمز له هنا بـ (Y) ومتغير مستقل (X) ويمكن وصفه على سبيل المثال ارتباط حالة ضغط الدم (Y) بعمر الشخص (X)، ولكن في هذا المقال سيكون إسقاط المثال على معرفة ماهي العوامل التي تؤثر على أداء المبيعات ضمن الشركة ولندرس من خلاله الاستراتيجيات المحتملة لزيادة عمليات البيع
لنقل مثلاً أن شركتك ازادات مبيعاتها شهرياً بشكل ثابت خلال السنوات الماضية، باستخدام تحليل الانحدار الخطي ودراسة بيانات المبيعات الشهرية، بإمكانك توقع المبيعات خلال الأشهر القادمة، في حال كانت المبيعات في تصاعد فيجب زيادة ممثلي المبيعات أو زيادة عدد نقاط البيع التي تملكها الشركة. كما يمكن استخدام هذا التحليل من قبل العاملين في مجال التسويق لمعرفة ما إن كانت الأموال التي تم ضخها على الإعلانات لعلامة تجارية ما كان لديها عائد على الاستثمار بشكل إيجابي.
يمكن تحليل الانحدار الخطي الشركات من معرفة مدى نجاح حملات التسويق والقنوات التي تم العمل عليها خلال هذا الحملات لتقييم جودتها ومعرفة ما إن كان يجب العودة إلى هذه الوسائل مرة ثانية او تفاديها وابتكار وسائل تسويقية ثانية.
بالطبع ليست هذه أنواع التحليلات الوحيدة التي يمكن عملها في عالم الأعمال، فهي أيضاً مختلفة باختلاف غاياتها، فيوجد تحليلات مثلاً في مجال الموارد البشرية - HR Analytics والتي تعنى بمعرفة وتوقع الأسباب التي قد تدفع الموظفين لترك الوظيفة، أو ماهي الأشياء التي تهمهم في بيئة العمل.
كما يمكن استخدام التحليلات في المجالات المالية وتحديد موازنات الشركات بناءً على خطة توسعها السنوية، والأمثلة لا تنتهي؛ وما اريد الإشارة إليه إلى ان البيانات موجودة في كل مكان ومختلف المجالات وليس فقط في عالم الأعمال وهذا ما سأتناوله في مقالات قادمة عن دور البيانات - ليس فقط في عالم الأعمال - بل تطبيقاتها في مجالات ثانية كالتسويق والطب والهندسة والبناء.
أعجبكم المقال؟ شاركوه مع أصدقائكم الذين يعملون في مجال البيانات ليتعرفوا على هذه التحليلات وربما تطبيقها في شركاتهم.
Comments