في مقالٍ سابق، تحدثت عن ثلاثة أنواع من تحليلات البيانات التي يمكن تطبيقها في الشركات لتطوير أدائها وكيف لتكون Data-Driven بالفعل، وشخصياً كنتُ سعيداً بردود أفعال الأصدقاء على منصة LinkedIn والمتابعين وأنهم حقاً استفادوا من المعلومات التي تم تغطيتها في المقال وهذا أيضاً ما شجعني اليوم لأكتب مقالاً جديداً عن دور تحليل البيانات ولكن هذه المرة في الجانب البشري من الشركات.
أتوجه في هذا المقال لكل مسؤول موارد بشرية، وأي شخص يعمل في هذا المجال بمختلف وظائفه، من استقطاب الموظفين ومروراً بمتابعة وتقييم أدائهم ووصولاً إلى الترقية أو الاستقالة، أقدّم لكم لمحة بسيطة عن إمكانية تحليل البيانات في تطوير عمليات قسم الموارد البشرية في الشركة أو المؤسسة التي تعملون فيها.
لماذا البيانات والموارد البشرية؟
من المعتاد أن يترافق مصطلح الموارد البشرية على أنه نشاط ضمن المؤسسة يهتم فقط بتقييم أداء العاملين، أو القيام بعمليات الـ onboarding للموظفين الجدد أو القيام بعمليات فصل موظفين آخرين، لكن حقيقة الأمر أن هذا المجال فيه أكثر من ذلك بكثير وخصوصاً عند دمجه مع مجال تحليل البيانات. لماذا البيانات والموارد البشرية؟ جوابي البسيط لهذا السؤال، العمل بذكاء. من خلال الاستعانة بالبيانات والمعلومات التي تقدّمها عقب تحليلها سيكون بين يديك ركيزة مهمة تستند إليها، خالية من التحيزات الذاتية أو المهنية وتمكّنك من اتخاذ قرارٍ قوي وفي بعض الأحيان … قراءة المستقبل.
مؤشرات مهمة لضبط أداء قسم الموارد البشرية ضمن الشركة
في مجال تحليل البيانات لابد من تذكّر أهمية وضع مقاييس أو مؤشرات لتقييم الأداء والقيام بتغيير استراتيجيات الشركة تباعاً لما تقدّمه تنائج هذه المؤشرات وأريد الإشارة هنا إلى أن المقاييس لا يجب أن يتم النظر إليها على أنها قيود تَفرِض على الموظفين جهداً إضافياً لتحقيقها، بل هي بوصلة من المهم الاعتماد عليها لتوجيه جهود الشركة بشكل عام وقسم الموارد البشرية بشكل خاص، يلي في هذا القسم من المقالة بعض المقاييس المهمة في مجال إدارة الموارد البشرية والبيانات التي أرى أنه من المهم العمل على تطويرها حسب كل شركة
.
مقياس نسبة قَبول عروض التوظيف - Offer Acceptance Rate

يتم حساب هذا المقياس عبر قسمة عدد عروض التوظيف المقبولة (باستثناء العروض المقدمة شفهياً) على عدد عروض التوظيف الإجمالي خلال فترة زمنية محددة. وتكمن أهمية هذا المقياس في تقديم لمحة عن استراتيجية الشركة في استحواذ المواهب أو Talent Acquisition ويمكن اعتبار أن أي نسبة تتعدى الـ 85% هيَ نسبة جيدة جداً عموماً، وإن كانت ما دون هذه النسبة فيجب على الشركة اتخاذ قرار ما لتطوير وتحسين استراتيجية الاستحواذ على الموظفين الجدد.
قياس كفاءة التدريبات الداخلية - Internal Training Efficiency

لا يغيب عن ذهن أي مسؤول في مجال الموارد البشرية أهمية تدريب الموظفين على أداء مهمة معينة أو اكتساب مهارة جديدة، لكن عادة ما يتم الابتعاد عن تقييم جودة هذا التدريب ومقارنته مع مخرجات التدريب التعليمية او Key Learning Outcomes وانعكاسه (إما سلباً أو إيجاباً على أداء الموظفين) ويمكن قياس كفاءة التدريبات بالاستعانة بأكثر من نقطة بيانات (Data Point) واحدة.
على سبيل المثال، لنقل أن أحمد -موظف موارد بشرية- مسؤول عن تدريب مجموعة من موظفي المبيعات على مهارات التفاوض والإقناع والتعامل مع الزبائن، لقياس مدى كفاءة هذا التدريب، يتوجب على أحمد معرفة عدد عمليات البيع التي قام بها كل موظف خلال فترة محددة لكن بعد التدريب، ومقارنتها مع عدد عمليات البيع قبل البدء بالتدريب، كما يجب عليه معرفة عدد العملاء الذي يشعرون بالرضا عن تعامل الموظفين بعد عمليات البيع والشراء، هل كان الموظف المسؤول متجاوباً مع الزبون أم لا؟ ما هو رأي المدير المباشر بأداء الموظفين بعد التدريب؟ ما هو رأي الموظف بعد التدريب أيضاً؟ هل حصل على معلومات جديدة تساعده في تطوير عمله وزيادة إنتاجيته أم لا؟
جميع هذه الأسئلة يجب الإجابة عليها وتقديمها على شكل تقارير توضح نقاط الضعف التي غطاها التدريب الداخلي وحولها إلى نقاط قوة.
الوقت المستهلك في عمليات التوظيف - Time to fill

تكمن أهمية هذا المقياس في قدرته على تحديد ما هي المراحل الأكثر استهلاكاً للوقت في عمليات التوظيف والإضاءة على ضرورة اتخاذ إجراءات جديدة أو تعديل إجراءات موجودة مسبقاً في تسهيل عملية التوظيف وتقليل الوقت المستهلم عليها. ويعتبر تحليل هذا النوع من المقاييس ضمن تحليلات السلاسل الزمنية Time Series Analysis والذي يتم من خلاله تحليل عدد من نقاط البيانات خلال فترة زمنية محددة، على سبيل المثال: الوقت المستهلك بين الإعلان عن شاغر وظيفي والحصول على أول 10 موظفين محتملين، يلي ذلك الوقت المستهلك بين اعتماد الموظفين العشرة المحتملين والقيام بالمقابلات وتقييم المهارات، يلي ذلك، الوقت المستهلك بين المقابلة الأخيرة وقَبول الموظف للوظيفة التي تم طرحها، وهكذا يسري الأمر على حسب استراتيجية وسير عمليات التوظيف في كل شركة على حدا.
تحليل البيانات وسيلتك ليس فقط للتنبؤ بالمستقبل، بل صناعته أيضاً
سأسرد في هذا الجزء من مقالتي قصَّةً ممتعة حول التحليلات التنبؤية أو Predictive Analytics وكيف يتم استخدامها في مجال الموارد البشرية وماهي أبرز الاستنتاجات الذي يمكن الحصول عليها من هذا النمط من التحليلات.
عانت شركة Hewlett-Packard المعروفة اختصاراً بـ HP التي لديها ما يزيد عن 300 ألف موظف من معدلات عالية في دوران العمالة (High Employee Turnover) وعادة ما تؤدي هذه المعدلات العالية إلى تكاليف ضخمة في عمليات التوظيف واستقطاب الموظفين وإجراءات الـ Onboarding خصوصاً في شركة بحجم شركة HP.
لذلك، قرر عالمَي بيانات محاولة حل هذه المشكلة وقاما بجمع ودمج بيانات الموارد البشرية التي تشمل الرواتب، والزيادات في الرواتب، تقييمات الأداء وغيرها من البيانات والتي تغطي عامين سابقين والقيام بدراسة الحالات التي قرر بها الموظفون ترك العمل في الشركة، ومع استخدام النماذج التنبؤية توصلا إلى سلّم ترقيم سمّياه Flight Risk، وهو سلم رقمي لقياس قابلية الموظفين لترك الوظيفة في HP.
اكتشف العالمان بعد التحليل أن الموظف الذي يحصل على ترقية في المنصب الوظيفي دون زيادة في الراتب تكون احتمالية تركه للوظيفة أعلى مقارنة بالموظفين الذين لم يحصلوا على ترقية أصلاً كما تبين معهم أن عملية نقل الموظفين بين المهام الوظيفية أو Job Rotation كان لها أثر إيجابي في الحفاظ على الموظفين ضمن الشركة وذلك لما تقدمه هذه العملية من تجارب جديدة وتغييرات في طبيعة العمل لدى الموظف. وبالفعل قدرت المبالغ التي يمكن توفيرها باستخدام نموذج Flight Risk لتنبؤ احتمالية استقالة الموظفين ما يقارب 300 مليون دولار أمريكي.
بالطبع، لا يقتصر استخدام تحليل البيانات على ما تم ذكره آنفاً في المقال، بل يوجد العديد من الاستخدامات المرتبطة بعنصر الموارد البشرية خصوصاً في مجال الـ Behavioural Analytics والذي يقوم بدراسة أنماط الموظفين السلوكية في مختلف جوانب العمل والذي من شأنه أن يقدم صورة متكاملة لمسوؤلي الموارد البشرية عن طبيعة الأفراد الذين سيعملون في الشركة أو يتركوها.
هل تعرف شخصاً يعمل في مجال الموارد البشرية والتوظيف؟ شارك معه هذا المقال لتساعده على اتخاذ قرارات توظيف مبنية على استنتاجات وحقائق بعيدة عن الحدس والتخمين.
Comments